.
لا يزال الهروب من مواجهة الأسئلة المحرجة لأبنائنا
هي القاعدة التي تستند إليها التربية في مجتمعنا ,
فالجنس مثلاً لا يزال يعتبر, حسب الرأي الشائع عندنا ,
( رجساً من عمل الشيطان ) , يضفي إليه عقد الزواج
طابعاً شرعياً دون أن يبدل شيئاً في طبيعته .
إن الجنس في بداياته , يحمل بذور طاقة الحب ,
فإذا أتيح أن ينطلق في جو مؤاتٍ من العطف والتفهم ,
والرعاية , كان له حظ كبير بأن ينمو بشكل متكامل
ـ منسجم و بأن تنمو معه طاقة الحب التي من شأنها ,
هي وحدها , أن تهذبه في العمق , لأنها وحدها
تحرره فعلاً من عشوائية الغريزة و فظاظتها وأنانيتها.
أما إذا تنكرت له التربية وحاولت ضربه في جذوره
و لجمه في منابعه , فإن جل ما تصل إليه في
معظم الحالات هو مسخه وتشويهه .
أسئلة مربكة
كثيراً ما يطرح أولادنا أسئلة محرجة حول الجنس مثل :
• من أين يأتي الطفل ?
• من أين يولد الطفل?
• ماذا يفعل الزوجان كي ينجبا طفلا?
• هل تتألم الأم عندما يخرج الطفل?
وأسئلة أخرى كثيرة تصيبنا بالإرباك والحيرة .
فنقف أمام مواجهة صعبة لتساؤلات أولادنا حول الجنس .
إن هذه التساؤلات قد تسبب ورطة للوالدين ,
تدفعهم إلى اعتماد الكذب في محاولة منهم
للتخلص من الحرج الذي تسببه لهم .
هذا الارتباك يفسر إلى حد بعيد إحجام الأهل
عن إعطاء أولادهم المعلومات التي تتعلق بالجنس
و إهمالهم لهذا المجال من مجالات التربية رغم أهميته
الحيوية. فكثير من نسائنا الأمهات تُركت تربيتهن
الجنسية للمصادفة, فيما لم تتلق أخريات أي تربية جنسية من أهلهن.
وقد أخبرتني إحدى صديقاتي أن خجلاً شديداً انتابها
عندما سألتها ابنتها , البالغة من العمر 13 سنة,
من أي مكان من الجسم يخرج الأطفال.
وعبرت حينذاك عما أصابها من اضطراب بقولها:
(شعرت وكأني تلقيت على رأسي ضربة مطرقة).
وتبين بعض الاحصاءات أن مصادر الإعلام الجنسي
غالباً ما تكون على يد الأقران وليس الوالدين.
أما أسباب هذا الارتباك فيمكن أن تلخص بسببين:
• أن أسئلة الولد عن الجنس تضع على المحك
موقف الوالدين الشخصي العميق من هذا الموضوع ,
حيث إن هناك عوامل عدة تحول بين الأهل واعتبار
الجنس أمراً طبيعياً وتمنعهم من الحديث عنه بشكل طبيعي مع أولادهم.
من هذه العوامل.....
الخفر الطبيعي حيال ما يرتبط بحياتهم الحميمة ..
... الشعور بالقلق والاثم حيال قضايا الجنس .
ويغتذي شعور القلق والاثم بالتربية العميقة التي
تلقاها الكثيرون من الأهل في هذا الميدان في طفولتهم,
والتي كثيراً ما تئول إلى تشريط سلبي تجاه الجنس,
أي ربطه بصورة مفتعلة بمشاعر وردود فعل سلبية
تصبح تلقائية بتأثير التربية . كما أن كل ما يشوب
العلاقة الزوجية من معكرات من شأنه أن يوقظ
ويغذي تلك المشاعر السلبية تجاه الجنس.
• يصعب على الوالدين أن يتصورا أن للولد
حياة جنسية , فالارتباط الشائع , على صعيد
الذهن والشعور , بين الجنس و الاثم , مسئول
إلى حد بعيد عن تجاهل الكثير من الآباء للحياة الجنسية التي يحياها الولد.
وكأنهم قد نسوا طفولتهم وخبراتها بسبب
الطابع المقلق الذي اتخذته تلك الخبرات في حينها
مما أدى إلى كبتها أي إلى عزلها عن مجال الوعي وتغييبها في طيات النسيان.
من هنا شاع ذلك الوهم لزمن طويل عن ( براءة )
الطفولة ( وكأن الجنس مناقض حكماً للبراءة ) .
علماً بأن الجنس لا يبرز فجأة إلى حيز الوجود عند
المراهقة مع نضج الغدد والأعضاء التناسلية
إنما له تاريخ أعرق وأقدم يبدأ مع بدء الحياة.
فالأهل لا يزالون على الاعتقاد بأن الجنس لا يظهر
قبل فترة المراهقة , فلا يخطر على بالهم بأن لدى
ولدهم قبل ذلك هواجس من هذا النوع .
لذا يستبعدون , بكل حسن نية , كل حديث أمامه
أو إليه عن موضوع الجنس خشية أن يلحق به اضطراب
و يصيبه أذى من جراء احتكاكه قبل الأوان بمسألة
هي ( أكبر من سنه ) . وهذا يدفعهم في بعض الأحوال
إلى قمع أسئلة الولد وتصرفاته بشدة بالغة يمليها قلقهم ,
ويحس الأولاد بأن الموضوع خطر, وأن من الأفضل
الإعراض عنه فيتظاهرون بعدم الاكتراث .
الجنسية الطفلية
إن الجنسية الطفلية تلعب دوراً رئيسياً في نمو الطفل
على كل الأصعدة , من جسدي وعقلي وعاطفي ,
فإذا أتيح للطفل أن يحياها بشكل سليم , أي بشكل
يسمح له بالتعبير الحر الصريح عنها , كان لها دور
كبير من تأمين اتزانه وانشراحه, وفي التمهيد لاكتماله
النفسي عند الراشد , وفي إنجاح خبرته الزوجية و
الوالدية المستقبلية وإسعادها . فالتجاوب المرحب
للأهل مع أسئلة الولد عن الجنس هو من مقومات
ذلك المناخ الذي يوفر للجنسية الطفلية أفضل
شروط المساهمة في تأمين النمو السوي للطفل.
إن الأسئلة التي يطرحها الولد عن الجنس ترتدي أهمية
بالغة بالنسبة إليه , فهي مظهر من مظاهر العطش إلى
المعرفة يعبر عن تغطية العقل لدى الطفل ويلعب دوراً
مهما في إنماء هذا العقل. إذ بفضلها يقبل الطفل على
اكتشاف جميع المعارف ويتلقاها بشغف.
لذا ينبغي علينا نحن المربين أن نرحب بهذه الأسئلة ولو
أزعجتنا بكثرتها , أو أربكتنا أحياناً بمضمونها. فهي
مظهر من مظاهر النمو والتقدم لدى الطفل, كما أنها
ترتبط بطاقة غريزية وعاطفية قوية تتأجج فيه وتتعدى
مجرد غريزة التناسل لتغذي كل اندفاع إنساني نحو
السعادة والانشراح والمعرفة والفكر والإنتاج والإبداع.
والآن علينا أن نسأل نحن ذلك السؤال: من أين يستقي الطفل الإجابة?
عالم الكبار
إن الولد يرغب بإلحاح أن يأتيه الجواب من والديه.
لأن الجنس بالنسبة إليه ليس موضوعا مجردا , إنما
هو قبل كل شيء عالم والديه في اكتشافه الأول
والأساسي له يتم من خلالهما. فهو يدرك بشكل
واعٍ أنه من بطن أمه خرج ( بما يوحي له ذلك من رباط بالغ الخصوصية بينه وبينها ) ,
ولكنه يحدث أيضا بالفطرة العلاقة القائمة بين والديه وكونه
هو ثمرتها ونتاجها. وإذا كان الولد يحس عالم الجنس
على أنه عالم والديه فهو ينتظر بالتالي منهما أن يتيحا
له فرصة الدخول إلى عالمهما هذا , عالم الكبار ,
و المشاركة في أسراره أكثر من مجرد نقل المعلومات
. ينتظر أن يسمحا له بالإطلال من خلال
كلامهما ومواقفهما على حقيقة الجنس المعيشة
كما يختبرانها . إن قبول الغريزة الجنسية على أنها
قيمة من قيم الحياة , وقبول الحب الجسدي
على أنه أحد عناصر الحب الزوجي الأساسية,
يسمح وحده لهما بإتباع خط إيجابي. فلا شيء يقوم
مقام الوالدين من حيث كشف أسرار الحياة لأولادهم,
مما لا ينفي أن تتوسع تربية الولد الجنسية, وخاصة حين
المراهقة, من خلال مطالعات شخصية
( وللأهل دور كبير في توجيه أولادهم نحو المطالعات
المفيدة التي تتناسب مع حاجاتهم في هذا المضمار ) أو على مربين من غير الأهل
(من معلمين أو مرشدين أو أطباء اكتسبوا كفاءة لهذا الدور).
هذه المهمة لا يقوم بها الأهل بالكلام فحسب ,
بل بكيانهم كله , بخبرتهم المعيشة و مشاعرهم الحميمة , بمواقفهم الذهنية الحياتية .
المهم بالنسبة لأولادنا أن يلاحظوا فينا سعياً إلى
التقدم في التعارف والحب والتبادل. فالأولاد يشهدون
مشاجرة ولكنهم يشهدون أيضاً عودة إلى التفاهم ,
يشهدون صراعات ( قد تكون مسلحة! ) ولكنهم
أيضاً يشهدون تحركات نحو مصالحة فرحة ,
يشهدون لحظات ( نرفزة ) وتوتر ولكنهم يشهدون
أيضا معانقات وقبلات مفعمة بالمحبة الحسية.
لذا , فإن مسئولية التربية الجنسية الذاتية, مراجعة
مواقفهم حيال الجنس ونوعية علاقاتهم الزوجية .
من هنا فائدة مطالعاتهم لكتب تتحدث عن
التربية الجنسية وعن الجنس بشكل عام , وضرورة
الجواب الزوجي الصريح حول هذه الشئون.
الضن بالإجابة
إن إجاباتنا لن تتسم بطابع الكمال ولا المثالية ,
غير أنه علينا أن نلتزم الصدق وعدم التمويه.
فالولد لا يقتنع بالجواب الكاذب ويكتشف
في قرارة نفسه زيفه ولو تكلف قبوله احتراماً
لسلطة الوالدين. كما أن هناك نتائج تترتب في
شخصية الولد وعلاقته بوالديه عندما يضن عليه
أهله بتقديم الأجوبة الصحيحة له عن هذا الموضوع الحيوي. من هذه النتائج:
وللحديث بقية