يقولون «الحياة تبدأ بعد الأربعين»، وهذا صحيح في أيامنا هذه بالذات
يقولون «الحياة تبدأ بعد الأربعين»، وهذا صحيح في أيامنا هذه بالذات، حيث تطور العلم والطب وعمليات التجميل، وزاد الوعي بأصول التغذية والرشاقة وأهمية التمارين الرياضية وغيرها. المرأة العصرية والمعاصرة باتت ترى في الاربعين تخلصا من القيود الاجتماعية والذاتية والاقتصادية التي كبلتها في سنواتها العشرين وبداية الثلاثين، وبداية فصل جديد من حياتها تكون فيه هي البطلة بلا منازع. وقد انعكست هذه الثقافة على مناحي كثيرة من الحياة. فالرجل لم يعد يرى أنها مشرفة على الذبول وأن مدة صلاحيتها قد انتهت (على الأقل في الغرب)، كما أن المصممين لم يعودوا يركزون على الصبايا سواء عندما يطرحون أزياءهم، أو عندما يقومون بحملاتهم الإعلانية، بدليل مادونا التي تعدت الأربعين وكانت وجه محلات «غاب» بأزيائها الموجهة للشابات، وأخيرا وجه دار فيرساتشي، إضافة إلى نجمات أخريات تعدين الأربعين بعدة سنوات. فصناع الموضة والجمال يعرفون جيدا أن هذه الشريحة تمتلك مفاتيح القدرة الشرائية وذوقها يهم كثيرا لكي يحققوا النجاح التجاري أو العكس. كما أن أرباب العمل، في بعض المجالات، باتوا يرحبون بالخبرة خصوصا إذا صاحبها مظهر جميل وشاب يتميز بالنضج والثقة.
ولأن ثقافتنا أصبحت تتأثر بحياة النجوم والنجمات، وهم القدوة والبوصلة التي نقتدي بها في غالب الأحيان، ولا مفر من ذلك نظرا لاقتحام الإعلام من فضائيات ومجلات حياتنا اليومية، فإن الأربعين لم يعد ذلك الرقم المخيف الذي يثير القلق والأرق في نفوس النساء، بل العكس أصبح رقما يدعو للتفاؤل بمرحلة جديدة، نحلم ان نبدو فيها أجمل وأكثر اناقة وجاذبية. فنحن لسنا أقل من نجمات من عيار بروك شيلدز التي ستحتفل بعيد ميلادها الأربعين في شهر مايو المقبل، وساندرا بولوك، 40 سنة، وديمي مور، 42، ويقال إنها حامل بمولودها الرابع، ميشال فايفر، 46، وشارون ستون، 47، إلى جانب أخريات على أبواب هذا الرقم نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر هال بيري، 38، جوليا روبرتس، 37، ليز هيرلي، 39، نيكول كيدمان، 37. القاسم المشترك بين كل هؤلاء النجمات ان روحهن شباب، ولا يبدو أن الزمن أخذ من جمالهن أي شيء، بل العكس تماما، لأنهن تعلمن خلال رحلتهن الحياتية مكامن الضعف والقوة لديهن، واكتسبن خبرة وثقة انعكست عليهن بالإيجاب، ويراها الكثير من الرجال عنصر جاذبية لا يقاوم. فعندما يجتمع الجمال مع الخبرة والثقة تكون النتيجة جذابة ومثيرة جدا.
للأسف لا يمكن تطبيق هذه النظرة المتفائلة على كل المجتمعات، ففي العديد من أوساط المجتمعات العربية ما زالت المرأة، بإيحاء من المجتمع والرجل، تشعر بأنها تفقد أنوثتها وجمالها عند وصولها الأربعين. وما زالت هذه السن تعني لها أن الوقت قد حان لتعطي المجال لبناتها الشابات بأن يعشن حياتهن، لأن مهمتها انتهت إلى حد ما، وزمنها قد ولى، والآن أصبح عليها انتظار أحفادها والاستمتاع بهم عوض الاستمتاع بحياتها وكيانها. وأمثالنا الشعبية التي تصب في هذا المعنى كثيرة نذكر منها «لن نعيش حياتنا وحياة غيرنا» التي تتردد على لسان أي أم.
وفي الحالات القليلة التي تحاول فيها الخروج من النظرة أو تسول لها نفسها أن تستمتع بالحياة التي قد لا تكون عاشتها في الصبا، نظرا لرزوحها تحت ثقل المسؤوليات الأسرية أو العقد النفسية، فإنها قد تنعت بالتصابي. صحيح أن هذه النظرة بدأت تتغير في بعض الأوساط لكن النسبة العالية ما زالت تنتمي للعينة الأولى. على عكس ما هو عليه في الغرب حيث تسود ثقافة عامة مفادها أن الحياة تبدأ فعلا بعد الأربعين. وهذه ليست مقولة جوفاء، فالأربعون في الألفية الثالثة هي مرادف لسن الثلاثين في الألفية الثانية.
فبدخولها مضمار المنافسة مع الرجل في مجالات عديدة، وحصولها على استقلاليتها المادية تصالحت المرأة مع ذاتها، وهو ما تجلى في احتفالها بجمالها، ورغبتها أن تعيش سنها وشبابها، لأنها ربما تكون قد قضت سنوات العشرين والثلاثين تتنافس مع الرجل ومع باقي بنات جنسها لإثبات نفسها في العمل، أو تتفانى لإرضاء أطراف أخرى قد تكون الأب والام أو الزوج، وبالتالي لم تتح لها الفرصة في أن تعيش سنوات الصبا كما تريد، وهو ما تحاول التعويض عنه في الأربعين. لكن لا يمكن تجاهل أمر مهم وهو زيادة الوعي بالثقافة الصحية بدءا من التغذية إلى ممارسة التمارين الرياضية، والأهم من كل هذا تقدم العلم والطب وعمليات التجميل، الأمر الذي جعل سن الأربعين اليوم يوازي سن الثلاثين بالأمس قلبا وقالبا. قد يتحامل العديد منا على بعض النجمات لنشرهن ثقافة سطحية الشكل الجميل ووضعهن المرأة العادية المقاييس والجمال تحت ضغط كبير لتساير الموضة التي ينشرنها: جسم رشيق يميل إلى النحافة أو منحوت، مع وجه خال من التجاعيد وأحيانا التعابير، لكن ما يحسب لهن أنهن في المقابل نشرن وعيا جديدا بأن الحياة لا ترتبط بعمر، وأن لكل مرحلة من مراحل الحياة جمالها ونكهتها التي يجب ان نستمتع بها. ففي عهدهن أصبح بنطلون الجينز لا يقتصر على الفتيات الصغيرات، ولا الفساتين الحالمة والرومانسية، أو الشعر المسترسل الطويل. كما شجعن المرأة أن تفهم بأنها في هذه السن، يجب ألا تهمل لياقتها وصحتها، وبأن عليها أن تعانق الحياة بنضج أكبر، لا سيما أنها تكون قد تخلصت من كل العقد التي مرت بها غالبيتنا في العشرينات، بدءا من المنافسة مع النفس، ومع الغير لإثبات الذات وإرضاء الآخرين، سواء كان المدير للحصول على ترقية، أو تبني افكار وشخصية تصوغها وفق طلبات عريس حتى تكسبه وما إلى ذلك من الأمور، التي تستنزف الكثير من طاقتها وجهدها وتؤدي إلى الكثير من الضغط والإرهاق النفسي. ومن ميزات أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات الأخرى أنها تكون قد قامت بكل الأدوار المفروضة عليها من قبل المجتمع، كأن تتزوج وتلد وتربي أطفالها، ويصبح بإمكانها أن تتفرغ لنفسها، بالقيام بكل الأمور التي كانت تتمنى القيام بها ولم يكن لديها الوقت أو الشجاعة للقيام بها. لذلك ليس غريبا أن نرى المرأة الأربعينية في الغرب تتوجه في أوقات فراغها إلى النوادي الرياضية وصالونات التجميل، وهي مقتنعة بأن طعم الحياة في الاربعين أحلى لانه يخلو من أي قيود تكبل حريتها واستقلاليتها الذاتية، فهي الآن لا تتنافس مع غيرها، بل فقط مع نفسها. العمل مثلا يتحول إلى متعة وليس لمحاولة لإثبات الذات، والحروب النفسية مع الزملاء والزميلات تتحول إلى علاقات مريحة، وتوقعات الآخر منها أصبحت على ذيل قائمة أولوياتها. فهي ستستمتع بنفسها ونجاحاتها بطريقتها، وذلك بتحفيز نفسها وتقديم ما يرضيها، والحفاظ على شبابها أطول فترة ممكنة. حتى السينما التي يمكن اعتبارها ترجمة للحياة، بدأت تعكس هذه الثقافة.
فسن الأربعين لا تعني بالضرورة انتهاء صلاحية اي نجمة أو انخفاض جاذبيتها كما كان في السابق، بل العكس، فنجمات مثل ديمي مور، جوليان مور، شارون ستون تعدين الأربعين، ومع ذلك يتمتعن بجمال وروح شباب تفتقدها الكثير من بنات العشرين، ولمزيد من الصراحة، فحتى هؤلاء الأربعينيات كان مظهرهن أقل إبهارا وجمالا في العشرينات، وإن كان تألق الصبا في صالحهن. مثل الكثيرات من قريناتهن في هذه السن، لم يكن قد بلورن شخصيتهن تماما، ولم يتعرفن على ما يناسبهن. العديدات منهن كن مجرد مقلدات، ولم يصبحن أيقونات يقتدى بهن إلا بعد أن تجاوزن منتصف الثلاثينات. وليس أدل على ذلك من النجمة ديمي مور، التي حصلت على دور جريء في فيلم «تشارلز آينجلز» وظهرت بملابس سباحة وهي في لياقة جسدية تحسدها عليها بنات العشرين، أو ليز هيرلي التي بنت كل «أسطورتها» على شكلها، ولم يخفت توهج هذه «الأسطورة» حتى وهي في التاسعة والثلاثين من العمر. صحيح أنها لا تأكل إلا وجبة فقيرة واحدة في اليوم، وتتوجه إلى النوم وهي تتضور جوعا، حسب اعترافها، لكنها ما زالت تثير الإعجاب وما زال الطلب عليها من قبل المصورين والمعلنين على حد سواء. وهو الأمر الذي لم يكن يتصور أي أحد أن يحدث في الماضي. فحياة عارضة الأزياء مثلا كانت تنتهي بمجرد أن تصل إلى الثلاثين، أما اليوم فهناك عارضات على مشارف الأربعين أمثال ليندا إيفانجليستا وسيندي كروفورد، ما زلن يلهبن الخيال ويثرن الإعجاب أكثر من اي عارضة في 16 من عمرها.
ونفس الأمر يمكن ان يقال على هوليوود، حيث ما زالت أسماء هؤلاء تبيع التذاكر ويقبل عليها الشباب. الممثلة ساندرا بولوك، مثلا، وقعت أخيرا عقدا للقيام بالجزء الثاني من فيلم «ميس كونجينيالتي» رغم أنها وصلت الأربعين، وبروك شيلدز حصلت على دور رئيسي في المسرحية الاستعراضية «شيكاغو» وهو نفس الدور الذي قامت به كاثرين زيتا جونز في الفيلم الذي يحمل نفس العنوان وحصلت عليه على جائزة أحسن ممثلة مساندة. مع العلم أن إحدى الممثلات اللاتي سبقن بروك شيلدز لهذا الدور، جينفر إيليسون لا يتعدى عمرها الـ21 سنة، أي نصف عمر بروك شيلدز تقريبا.
فالدور يحتاج للكثير من الحركة وبالتالي الى مرونة ولياقة عاليتين، وهو ما يراه منتج المسرحية ممكنا، بعد أن رآها في برودواي وجذبته بكاريزماتيتها وجمالها ورشاقة حركتها.
بروك شيلدز ستكون أيضا أول نجمة أميركية ستقوم بهذا الدور في «الويست إند» بلندن.